جبل الشيخ عبر التاريخ - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


جبل الشيخ عبر التاريخ
نضال الشوفي - 12\12\2008
إن أكثر الظواهر التي شدّت أنظار سكان سوريا القدماء، ومن جاء بعدهم، ذلك الارتفاع الشاهق لجبل الشيخ المطل على كافة السهول الممتدة إلى الجنوب من سوريا, فدفع جلال ذلك المنظر بالكنعانيين إلى تأليه الجبل, وأطلقوا عليه بعل حرمون, وشيدوا فوقه هياكل ومعابد لا زال يحمل آثارها إلى اليوم. كان السوريون القدماء يصعدون قمة الجبل أواخر كل صيف ويسكبون الماء عليه، وظلت الطقوس الدينية تقوم فوق الجبل إلى العهد البيزنطي - إبّان انتشار الديانة المسيحية - فالمصادر تذكر أن الوثنيين الذين عبدوا الشمس، ظنوا أنهم يقتربون من معبودتهم الساطعة فوق الجبل، أكثر من أي مكان آخر. ولعل أقدم ما بقي من آثار المعابد الوثنية فوق بعل حرمون، ذلك المعبد القابع فوق أعلى قمم الجبل، غير أن التنقيبات الأثرية لم تجر هناك، والمعلومات غير متوفرة عن تاريخ ذلك المعبد، مع ذلك، تشير البقايا الحجرية إلى تصميم تقليدي ينقسم بين ساحة مصوّرة بحائط حجري على شكل بيضوي, وهيكل مستدير الشكل يبلغ قطره حوالي ستين قدماً، وبداخله قدس الأقداس، المحفور داخل صخرة ارتفاعها نحو خمسة عشر قدماً، بعمق ثمانية أقدام. ويبدو أن الموقع استعمل في وقت لاحق مكاناً للسكن، لذلك أسماه الناس قصر شبيب، وتداولوا حكاية أقرب إلى الأسطورة تقول: أن شبيب كان أميراً يمنياً مات على أيدي أبو زيد الهلالي في إحدى حجرات القصر، الذي عرف أيضاً بقصر عنتر، ولكن لا قيمة تاريخية لكلتا التسميتين. هناك أيضاً بناء آخر قريب من القصر، بناه الأمير نجم الشهابي في العام 1195 م لغرض الاستجمام في فصل الصيف، وفيه فاضت قريحة الأمير ببعض الأبيات من الشعر منها:
ومنزلاً فوق قنّ الشيخ بتّ به
معانق الأنس واللذات والطرب
أهدى لنا من ربا نجد معطرة
ومنظراً من ديار العجم والعرب
من الآثار الباقية فوق جبل الشيخ أيضاً، تلك الأجران الرومانية المتواجدة في مكان يدعى المطابخيات قرب تلة الجراجمة، كان الرومان يشعلون فيه النار فتشاهد من مدينة قبرص، على ما يذكر الدكتور فيليب حتّي. إضافة لتلك البقايا الأثرية، هناك نص اكتشف على أيدي الأثري البريطاني جورج سميث عام 1966 م، يعود إلى القرن التاسع ق. م، دوّنه الملك الأشوري شلمنصر، ويصف فيه أعماله الحربية فيقول: " في السنة الثالثة من ملكي عبرت الفرات للمرة السادسة عشرة، وكان الملك حزائيل الآرامي الواثق من قوته، قد حشد جيشاً عظيماً وتمركز عند جبل سنيرو عند مدخل لبنان، حصنه القوي ". حزائيل هذا كان ملك آرام دمشق، وسنيرو هو جبل الشيخ عند الأشوريين، إضافة لما عرف به من أسماء كثيرة، فالصيدونيون كانوا يدعونه حرمون سيرون، والأموريون سنير أو شنير، وعرفه العبرانيون باسم سيئون وسعير، كما ورد في العهد القديم، ودعاه الآراميون طور ثلجا، أما اليونانيون ومن بعدهم الرومان فأطلقوا عليه اسم أنتيليبانوس أي المواجه للبنان، أو المطل على لبنان، وأخيراً أطلق عليه العرب اسم جبل الثلج، فقد جاء فيه في قصيدة لحسان بن ثابت يمدح فيها أميرين من أخواله من آل جفنه الغساسنة:
ملكاً من جبل الثلج إلى
جانبي آيلة من عبد وحر
ثم كانا خير من نال الندى
سبقا الناس بإقساط وبر
لا شك أن تسمية جبل الثلج، أكثر الأسماء تعبيراً عن علاقة من نوع آخر قامت بين الجبل ومحيطه القريب والبعيد، إذ كان منذ العصور القديمة إلى وقت قريب يمد البلدان بالثلج خلال فصل الصيف القائظ، استورده الفراعنة عن طريق مدينة صور محملاً فوق السفن، كذلك فعل ملوك صيدا وصور ودمشق وتدمر، حتى راجت هذه التجارة وامتهنها البعض من الناس.
بقي أخيراً أن ننوه إلى آثار قلعة جندل الواقعة على السفوح الشرقية لجبل الشيخ، وسط قرية جندل التي أخذت اسمها عن القلعة. وينسب بناء القلعة إلى شخص يدعى جندل هو الجد الأول للجنادلة، لكن المؤرخ عيسى اسكندر المعلوف يذكر أن القلعة قد بنيت قبل استقرار الجنادلة في الموقع، ويشير المعلوف إلى كتابة يونانية كانت موجودة في العام 1934م على عتبة القلعة يرد فيها الإسم في اليونانية ساما آتي، مما يعني أن اليونان هم أول من بنوها في أعقاب حملة الإسكندر المقدوني عام 333 ق.م على المنطقة، ويؤكد هذا الرأي وجود الكثير من المدافن اليونانية في المنطقة، إضافة إلى الاهتمام الروماني بتشييد الأبنية والقبور فيها، كما يلاحظ في منطقة برقش في قلب الجبل على مسافة قريبة شمالي قلعة جندل، وعلى ما يبدو فإن جد الجنادلة قد رمّمها، وظل الجنادلة بعده يتوارثونها إلى أن جاء الضحاك بن قيس واعتصم فيها أيام الملك العادل نور الدين، الذي حاصرها ثم دمّرها بعد تخليصها من الضحاك، وظلت هذه القلعة مهملة إلى أن تحصّن بها الدروز أثناء حربهم مع إبراهيم باشا المصري، الذي حاصرها هو الآخر ثم قام بتدميرها.
إن انتشار البقايا الأثرية فوق جبل الشيخ لا يقتصر على المواقع المذكورة، وقد تكون وعورة الجبل قد أجّلت قيام مسوحات أثرية فوق سطحه، كما أن وقوع القسم الجنوبي الغربي من الجبل ضمن نقاط الصراع العسكري بين العرب وإسرائيل قد منع من دراسة بعض الآثار المنتشرة عند تلك السفوح، على كل حال لم تنل آثار الجولان بمجملها قدراً من الاهتمام يناسب عراقة هذه الآثار لعدد من الأسباب الوجيهة، فمن المؤكد أن المواقع الأثرية في الجولان أو سواه من مناطق سوريا لا تنافس المكتشفات الكبرى التي أحدثت ضجة واسعة على مستوى محلّي وعالمي مثل: ماري وإيبلا وأوغاريت وغيرها، زد على أن محافظة القنيطرة قد استحدثت لاحقاً في العام 1964م ،أي قبل الاحتلال الإسرائيلي للجولان بثلاث سنوات فقط، وهو عامل آخر حال دون استكمال أعمال مسح وتنقيب كانت قد بدأ ت سابقاً، وكشفت عن تعاقب استيطاني في الجولان منذ عصور ما قبل التاريخ، أي منذ العصور التي سبقت ظهور الكتابة في أواخر الألف الرابع ق.م . على ضوء هذه الأسباب تقلّ المعلومات التفصيلية المتعلقة بكل موقع على حدة.

المراجع:
المعلوف، عيسى اسكندر: دواني القطوف، تحقبق عقبى زيدان، دار حوران، 2003م.
دائرة المعارف الاسلامية: المجلد السابع، بيروت.
سلوم، عبد الحكيم: درر البيان في تاريخ الجولان، دار النمير، 2002م.
عمار يحيى، حسين: تاريخ وادي التيم والأقاليم المجاورة، ينطا 1985م.